إن الشرائع السماوية التي سبقت الشريعة الإسلامية إنما شرعها الله وفقا لعقول الأمم السابقة، وتجاوبا مع أفهامهم ومداركهم، والعقل البشري يحاكي الكائنات الحية نموًا وتطورًا، فكل شريعة من هذه الشرائع تلائم الذين شرعت لهم فهي كالدواء يصلح لحال دون حال، ويجدى عند مريض ليس كل مريض، فلما بلغ العقل ذروته واكتملت واكتهلت المدارك البشرية، واستوت على غاياتها كانت الشريعة الإسلامية مطابقة لها لا تقبل بعد مزيدًا، وكل مكان تحل فيه، وكل زمان توائمه لها فيه الهيمنة والصلاح، وهي وحدها التي تصدّ شقاوة الناس، وترسم لهم الحدود، وتأخذ بيدهم دائمًا إلى حياة راقية في الدنيا يتبعهاخلود مقيم في نعيم الآخرة: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ (سورة الروم:٣٠) ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾ (سورة المائدة:3).
وأمامنا دول رضيت بالإسلام دينًا، اتخذت منه منهجًا ودستورًا ممن سبقونا وممن نعيش معهم لهم العزة والمحبة والاستقرار والغنى، ومن الدول التي لم تتخذ الإسلام دستورًا، لكنها في بعض سلوكها تتبع النظم الإسلامية فلها نظام، وصدق، وتعاون، وجد، وعمل، وهي بهذه المقوّمات التي لم يوضع الإسلام عنوانًا لكنهاسعيدة قريرة العين، ولو أنها أكملت السلوك، وأتمت الشوط، ودانت بعقيدة التوحيد لصرفت عن نفسها جماعات وأفرادًا ما يهددها من فتن، وما ينزل بهابين آن وآخر من تحلل.
وفي موازنة خاطفة بين شريعة محمد –صلى الله عليه وسلم- وما سبقها من الشرائع السماوية كشف لفضل الشريعة المحمدية، وبيان لتميزها، وأن الله جعلها قمة النعم على عباده، ولا وجه للموازنة طبعًا بينها وبين المبادئ التي وضعها البشر فإن البشر يخطئ ويصيب، وليس المخلوق بقادر على اكتناه أسرار الناس حتى يشرع لهم ما يوائم غرائزهم وطباعهم ومشاربهم فلا مقارنة قطّ بين عمله وعمل الخالق الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، ولا موازنة بين صنع العالم الحكيم وصنع العقول البشرية التي ترى الشيء ثم تعدل عنه، وتحبّ السلوك ثم تكرهه، والتي يلمع لها الأمر ثم تراه بعد قليل مظلمًا، ورُبّ مصلح أو مدعي إصلاح ظن أنه بمبدءه يكفل سعادة البشر.
وبعد موته أثبتت التجربة أنه كان سر شقاء الناس، وأن منهجه جنى على الدنيا وأحالها إلى ظلام وحيرة. وهكذا يجيء أهل الزعم فينسخون تشريع سابقيهم بما ظنوه هدى ورشادًا، وكلمادخلت أمة لعنت أختها، وهكذا ضلال يصرع ضلالاً، وحجج تقهر حججًا، وكل ذلك زائل طال مداه أو قصر، وحاشا للشريعة المحمدية أن يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، ولم يقف على قدميه أشد الناس كرهًا لها. فإنه قد يتصيد أمورًا جهلها أو تجاهلها، ويجري وراء شبهات حجبته عن رؤية الحق فيها ضلالات فلم يقف على سرها، وكم في الباحثين المستشرقين من خاض محيط الشك فدرس وبذل من الجهد ما بذل فإذا هو من صفوة المؤمنين، ومن أعلام المسلمين الباحثين ممن لهم في الإسلام شهادة تليق بجلاله.
فالموازنة الخاطفة إذن إنما هي بين شرع لله سبق في أمم قد خلت وطويت صفحتها، ومضى زمانها، وبين دينه المحمدي الذي نموت عليه إن شاء الله، ومن يبتغ غيره فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.
قراءة و تحميل كتاب بهجة المحافل وبغية الأماثل في تلخيص السير والمعجزات والشمائل PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب جامع الآثار في السير ومولد المختار (ط. الأوقاف القطرية) الجزء الاول PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب وامحمداه إن شانئك هو الأبتر مجلد 1 PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب موسوعة أحاديث الشمائل النبوية الشريفة الجزء الأول PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب سلسلة أخلاق النبي محمد صلى الله عليه وسلم (1) خلق الحلم PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب عشر محاولات لإغتيال النبي صلى الله عليه وسلم PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب ماذا حول أمية الرسول صلى الله عليه وسلم PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب شرح الأرجوزة الميئية فـي ذكر حال أشرف البرية PDF مجانا